سيكولوجية الإعاقة في المغرب: بين التحديات النفسية والرهانات المجتمعية

مقدمة

تنسج قضية الإعاقة في المغرب خيوطها في نسيج المجتمع المغربي بطريقة تستدعي تأملاً عميقاً يتجاوز الطرح التقليدي. فالإعاقة ليست مجرد حالة جسدية أو ذهنية، بل هي تجربة إنسانية متعددة الأبعاد، تتقاطع فيها المعاناة الفردية مع السياقات الاجتماعية والثقافية. ولعل هذا ما دفع الباحثين المغاربة أمثال الغالي احرشاو وعبد الكريم بالحاج إلى التأكيد على ضرورة مقاربة نفسية-اجتماعية تُراعي خصوصية السياق المغربي.

ماهية سيكولوجية الإعاقة: نحو فهم متجدد

سيكولوجية الإعاقة هي ذلك الحقل المعرفي الذي يسعى لفهم التجربة النفسية والوجودية للأشخاص ذوي الإعاقة، متجاوزاً المنظور الطبي الذي يختزل الإعاقة في “خلل” أو “قصور” عضوي. كما يشير علي زيعور، فإن “الإعاقة ليست مجرد انحراف عن المعيار الجسدي أو الذهني، بل هي تجربة نفسية مركبة تتشكل في سياق العلاقات الاجتماعية والثقافية”.

وتتنوع المقاربات النظرية لسيكولوجية الإعاقة بين النموذج الطبي الذي يرى الإعاقة كمشكلة فردية تستدعي التدخل الطبي، والنموذج الاجتماعي الذي يؤكد أن الإعاقة هي نتاج لبنية اجتماعية غير دامجة. ولعل النموذج الأكثر شمولية هو النموذج “البيونفسي-اجتماعي” الذي اقترحته خلود السباعي، والذي يدمج بين العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية في فهم الإعاقة، مؤكدة أن “التفاعل بين هذه العوامل هو ما يشكل تجربة الإعاقة في سياقها الثقافي المغربي”.

واقع الإعاقة في المغرب: قراءة في المشهد النفسي-الاجتماعي

يكشف المشهد المغربي عن واقع مركب للإعاقة؛ فرغم الجهود المبذولة على المستوى التشريعي والمؤسساتي، لا تزال الفجوة قائمة بين النص والممارسة. وكما يلاحظ الغالي احرشاو، فإن “التصورات الاجتماعية للإعاقة في المغرب لا تزال متأرجحة بين نظرة إحسانية-شفقية، ونظرة وصمية-إقصائية، مما يعكس ازدواجية المجتمع في تعامله مع الإعاقة”.

ولعل أبرز مظاهر هذا الواقع هو الهشاشة النفسية التي يعيشها الأشخاص ذوو الإعاقة، والتي تتجلى في مشاعر العزلة والإقصاء وتدني تقدير الذات. هذه المشاعر ليست وليدة الإعاقة في حد ذاتها، بل هي نتاج لبيئة اجتماعية غالباً ما تُنتج الحواجز المادية والنفسية.

التحديات النفسية: صراع الهوية والتكيف في سياق مجتمعي متناقض

تتعدد التحديات النفسية التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في المغرب، وتتمحور حول إشكاليات الهوية والتكيف والتقبل الذاتي. فكما تشير دراسات بالحاج، فإن “بناء هوية إيجابية في ظل التمثلات الاجتماعية السلبية يمثل تحدياً نفسياً جوهرياً”. ويتجلى هذا التحدي في صعوبة التوفيق بين الواقع الذاتي للإعاقة والمتطلبات الاجتماعية في مجتمع لا يزال يكرس معايير للجسد والقدرة تستبعد الاختلاف.

كما أن تحدي التكيف النفسي-الاجتماعي يفرض على الشخص ذي الإعاقة استراتيجيات متنوعة للتعامل مع الضغوط النفسية الناتجة عن الحواجز البيئية والاجتماعية. وقد أشارت السباعي إلى أن “نجاح هذه الاستراتيجيات يرتبط بمدى توفر الدعم النفسي والاجتماعي، وبمدى مرونة السياق الثقافي في تقبل الاختلاف”.

إشكالية الرعاية النفسية: نحو مقاربات أكثر فعالية

تُظهر الملاحظة المتأنية للمشهد المغربي وجود فجوة كبيرة في مجال الرعاية النفسية للأشخاص ذوي الإعاقة. فرغم الاعتراف المتزايد بأهمية الدعم النفسي، لا تزال الخدمات النفسية محدودة الانتشار والفعالية. ويرجع ذلك، كما يشير احرشاو، إلى “هيمنة المقاربة الطبية-التأهيلية على حساب المقاربة النفسية-الاجتماعية”.

ولتطوير مقاربات نفسية أكثر فعالية، يقترح بالحاج “تبني نموذج للتدخل النفسي يراعي خصوصية السياق المغربي، ويدمج بين المعارف العلمية العالمية والمعارف المحلية”. كما تؤكد السباعي على ضرورة “بناء برامج للدعم النفسي تنطلق من فهم عميق للتمثلات الثقافية للإعاقة في المجتمع المغربي”.

الرهانات المستقبلية: نحو نموذج سيكولوجي مغربي للإعاقة

يبدو أن الرهان المستقبلي الأساسي هو بناء نموذج سيكولوجي مغربي للإعاقة، يتجاوز الاستيراد غير النقدي للنماذج الغربية، ويستلهم من التراث الثقافي المغربي عناصر إيجابية لفهم وتقبل الاختلاف. وكما يؤكد احرشاو، فإن “القيم الروحية والتضامنية في الثقافة المغربية يمكن أن تشكل أرضية خصبة لبناء مقاربة نفسية-اجتماعية أصيلة للإعاقة”.

ويتطلب هذا النموذج، كما تقترح السباعي، “تفكيكاً نقدياً للتمثلات الاجتماعية السائدة حول الإعاقة، وإعادة بنائها وفق منظور يحترم الاختلاف ويثمن التنوع البشري”. وهذا لا يتأتى إلا من خلال تضافر جهود الباحثين والممارسين والمجتمع المدني لبناء منظومة معرفية وتطبيقية متكاملة.

خاتمة

إن سيكولوجية الإعاقة في المغرب لا تزال حقلاً معرفياً في طور التشكل، يستدعي مزيداً من البحث والتنظير المرتبط بالواقع المغربي. والرهان الأساسي هو الانتقال من نموذج يختزل الإعاقة في البُعد الفردي، إلى نموذج يدرك تعقيدها وارتباطها بالسياق الاجتماعي والثقافي. وكما يقول احرشاو، “لا يمكن فهم سيكولوجية الإعاقة في المغرب بمعزل عن فهم سيكولوجية المجتمع المغربي نفسه”. وهذا ما يجعل من قضية الإعاقة ليست مجرد قضية فئة معينة، بل هي قضية مجتمعية تعكس قدرة المجتمع على تقبل التنوع والاختلاف.

Categories: Uncategorized

0 Comments

Leave a Reply

Avatar placeholder

Your email address will not be published. Required fields are marked *